لالة فاطمة نسومر

لطالما زخر تاريخ الجزائر بالأبطال والمناضلين الذين قدموا أرواحهم فداءً لحرية الجزائر من الاستعمار الفرنسي المستبد الذي حكم قبضته عليها مدة الـ132 عامًا ، فهي بلد المليون ونصف المليون شهيد ، ظلت الجزائر تضرب مثالًا للعالم في الفدائية والبطولة من صفوف النساء والرجال على حد سواء ، وسيذكر التاريخ على مر الدهور المناضلة الباسلة جميلة بوحيرد ، والشهيدات حسيبة بن بوعلي ، ومريم بوعتورة ، ومليكة بلقايد ، والكثيرات ، ونتعرف اليوم على إحدى بطلات الجزائر لالّة فاطمة نسومر .
لالة فاطمة نسومر
لالّة فاطمة نسومر هي المناضلة الجزائرية ، التي ولدت في نفس العام الذي احتلت فيه فرنسا أرض الجزائر عام 1830م ، وهي التي أجبرت فرنسا أن تعد جيشًا لمحاربتها .
ولالّة هو لفظ أمازيغي يعني ” السيدة ” ، اسمها الحقيقي فاطمة سيد أحمد ، لقبت بـ ” خولة الجزائر ” إشارة إلى بطلة الإسلام خولة بنت الأزور التي كانت تتنكر في زي الفارس لتحارب في صفوف خالد بن الوليد ، كما لقبت بـ ” أخت الرجال ” ، ونسومر هي القرية التي ظلت طوال حياتها بها .
ولدت فاطمة في قرية بيت الحمام ، في شرق الجزائر ، ونشأت نشأة دينية لأسرة تهتم كثيرًا بخدمة الإسلام والمسلمين ، وكانت تهتم بحفظ القرآن الكريم ، كما شاركت أخواتها في ” الزاوية الرحمانية ” التي كان أبوها يشرف عليها ، وبعد وفاته غادرت قريتها وذهبت إلى أخيها الأكبر في سومر ” وقد تم إضافة حرف ( ن ) لـ ( سومر ) لأنه باللغة الأمازيغية حرف الانتساب لشئ ” .
وبعد ذهابها إلى أخيها الطاهر عمد على زيادة تعليمها شئون الدين والفقه ، وهو الأمر الذي صنع منها فيما بعد فقيهة مجتمعها .
انجازات لالة فاطمة نسومر
كانت فاطمة تحمل كرها شديدًا للاستعمار الفرنسي الذي دنس بلدها وأراد أن يجتز جذور الإسلام وتعاليمه من المجتمع ، لذلك بدأت مقاومتها الاستعمار وهي في عمر الـ20 عام ، حيث انضمت إلى المقاومة الجزائرية بقيادة المناضل الشريف بوبغلة عام 1850م ، وكان لها دور كبير في التصدي للاحتلال الفرنسي عند هجومه على قرية ناث إيراثن ، مما دفع القبائل المجاورة برجالها وشيوخها في الانضمام للمقاومة .
وكانت أحد فرسان المقاومة المشاركين في معركة 18يونيو عام 1854 ، والتي ألحقت بالفرنسيين هزيمة ساحقة خلفت أكثر من 8000 قتيل من بينهم 25 ضابط .
كما تمكنت فاطمة نسومر من تحقيق عدة انتصارات متتالية على الاحتلال الفرنسي ، في العديد من القرى والمناطق منها ” إيللتي وتحليجت ناث وبورجة ، تاوريرت موسى ، تيزي بوايبر ” .
ووردت الكثير من المعلومات إلى قيادة الجيش الفرنسي ، تفيد بمحاصرة قوات فاطمة نسومر لقوات الاحتلال الموجودة في مدينة قسنطينة ، وأنها كلفتهم خسائر باهظة ، وألحقت بهم هزائم منكرة .
وهو ما أجبر الجنرال الفرنسي راندون أن يعد لها جيشًا جرارًا مكونًا من خمسة وأربعين ألف جندي ليحارب قوات فاطمة نسومر التي كان عددها 7 آلاف رجل وعدد من النساء ، وكان هو على رأس هذا الجيش الذي توجه به إلى منطقة القبائل ، واستطاعت نسومر إسقاط عشرة جنرالات من صفوف الفرنسيين ، ولكن العدد والعدة كانت حاسمة المواجهة منذ البدء لمصلحة الفرنسيين ، فحاولت فاطمة نسومر أن تتفاوض لوقف المعركة وبعد خروج القادة غدر الاستعمار وألقى القبض عليهم ، وقام بهجوم غادر على المكان التي توجد به فاطمة نسومر وقبض عليها ، ثم ارتكب مذابح دامية للعائلات وارتكب جيش الاحتلال جريمة إبادة جماعية .
ظلت فاطمة نسومر في السجن المشدد مدة سبعة سنوات ، إلى أن وافتها المنية في سبتمبر عام 1863م ، بعد إصابتها بالشلل نتيجة مرض مجهول ، وهي الآن في مقابر ” العالية ” بعد أن نقلتها الحكومة الجزائرية من قريتها سومر في عام 1994م ، وبذلك خلدت اسمها بماء الذهب في كتب النضال وشرف الجزائر .