دور التسامح في بناء المجتمعات ورقيها

أهمية التسامح
التسامح يعني أن يغفر المتضرر من ظلم وقع عليه لمن ظلمه وأساء إليه، والتسامح في المجتمع هو الأساس لتقدم ونمو المجمتع، ويمتد أثره على الأجيال التالية أكثر من الأجيال الحالية، لأنه يعني وقف نقل الكراهية من جيل إلى جيل.
والعفو والتسامح من الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمن والتي حثنا ديننا الحنيف على الالتزام بها، وبالرغم من أن القصاص مطلوب في بعض الأوقات، إلا أن العفو والتسامح في معظم الأوقات أفضل، والتسامح يعد من الكرم والجود.
يقول عز وجل في كتابه العزيز في سورة الشورى ” وجزاء سيئة, سيئة بمثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين”، فالمظلوم إذا تمكن من القصاص ممن ظلمه، لكنه اختار العفو صار متصدقًا على أخيه.
وهناك الكثير من الآيات الأخرى في القرآن الكريم التي تأمرنا بالتسامح والعفو، وتثني على الإنسان المتسامح.
لكن من شروط العفو:
- أن يكون عند المقدرة.
- ألا يترتب عليه مفسدة للدين أو المجتمع لأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
دور التسامح في بناء المجتمعات مع أمثلة من التاريخ الإسلامي
لكن العفو في الإسلام يجب أن يكون عن قوة ومقدرة وليس عن ضعف ومذلة، وإلا فإنه لن يكون عفوًا، وقد بنى النبي عليه الصلاة والسلام أول دولة موحدة قوية في شبه الجزيرة العربية على أساس من التسامح والمأخاة بين قبيلتين كانت بينهما حروب طويلة قبل الإسلام، لكنهم بعد دخول الإنسان نسوا أي عداوات أو ثأر كان بينهم وأصبحوا إخوة وتسامحوا فيما بينهم.
ومن أروع أمثلة العفو عند المقدرة في الإسلام عفو النبي عليه الصلاة والسلام عن أهل مكة يوم الفتح، إذ قال لهم عليه الصلاة والسلام ” اذهبوا فأنتم الطلقاء، وذلك برغم كل ما فعله به الكفار وبالمسلمون قبل الفتح إلا أنه قد عفا عنهم.
كما أن النبي عليه الصلاة والسلام قد عفا عن وحشي الذي قتل عمه حمزة بن عبدالمطلب، فقد ذكر وحشي نفسه أنه عندما قتل حمزة نال حريته، لكن أمر محمد وأتباعه قد انتشر وازدادت قوتهم، وكان ذلك ينشر الرعب في قلب وحشيي حتى أتى يوم الفتح ففر حبشي من مكة واتجه للطائف.
لكن أهل الطائف قرروا إرسال وفد للنبي عليه الصلاة والسلام ليدخلوا الإسلام، فما علم حبشي فكر أن يفر لليمن أو الشام، وبينما هو مهموم يفكر قابل رجلًا فلما علم ما يفكر به، قال له إن محمدًا عليه الصلاة والسلام لا يقتل رجلًا أمن بالله وشهد بشهادة الحق.
فاتجه وحشي إلى المدينة ودخل على النبي عليه الصلاة والسلام، وقال له” أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله”، فلما نظر النبي عليه الصلاة والسلام ورآه سأله ” أوحشي أنت”، فلما قال وحشي نعم، قال له النبي عليه الصلاة والسلام” حدثني كيف قتلت حمزة، فجلس وحشي وحدث النبي.
ولما فرغ قال له النبي غيب وجهك عني، فظل حبشي بعد ذلك يتجنب الجلوس أمام النبي عليه الصلاة والسلام، وكان يحضر مجلسه ويجلس خلفه حتى مات النبي عليه الصلاة والسلام .
كما ضرب لنا الصحابة والسلف الصالح أروع الأمثلة في التسامح، على سبيل المثال كان أبو بكر رضي الله عنه ينفق على ابن عمته الفقير واسمه مسطح بن أثاثة، فلما وقعت حادثة الإفك للسيدة عائشة رضي الله عنها تكلم مجموعة من الصحابة بهذا الموضوع وكان منهم مسطح بن أثاثة.
فلما أنزل الله عز وجل براءة السيدة عائشة، وتم جلد مجموعة من الذين تكلموا بهذا الحديث ثم تاب الله عليهم، وكان من بينهم مسطح، فلم علم أبو بكر أنه من بين هؤلاء قال ” أقسم بالله لا أنفق عليك بعد ليوم أبدًا”، فنزلت الأية الكريمة” ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتؤا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم” صدق الله العظيم. فقال الصديق بلى إنا ياربنا نحب أن تغفر لنا.
فقال أبو بكر لقد أقسمت، فنزل قول الله تعالى” ولا تجعلوا الله عرضة لإيمانكم، أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم” أي لا تعجلوا القسم بالله يمنعكم من البر، فقدم الصلح وكفر عن يمينك، فعاد أبو بكر إلى مسطح وأعطاه النفقة، وقال والله لا أنزعنها عنه أبدًا.
وهكذا فقد تربى المسلمون الأوائل وبنوا مجتمع مسلم قوي على أساس التسامح والتراحم فيما بينهم، وقد استطاع هذا المجتمع أن يبني حضارة استمرت لقرون بسبب مبادئ التسامح مع القوة أرساها ديننا الحنيف.
أهمية التسامح في بناء المجتمعات ورقيها
إن التسامح له هو الأساس في بناء أي مجتمع، فبدونه لن يكون المجتمع هادئ، ومن فوائد نشر التسامح في المجتمع:
- يساعد التسامح في جعل أفراد المجتمع يشعرون بالأمان.
- عندما يشعر المجتمع بالأمان فإن أفراده يكونوا أكثر قدرة على التعاون وهذا ينعكس على رفاهة ونمو المجتمع.
- إن الأفراد المتسامحين يكونوا أكثر سعادة بوجه عام، وهذا أيضًا ينعكس على المجتمع نمو بشكل إيجابي.
- عند انتشار التسامح في المجتمع فإن خطر الحروب وخاصة الحروب الأهلية يختفي.
- إن المجتمع المتسامح يكون مجتمع موحد وهذا يقضي على أي محاولة لهدم هذا المجتمع من قبل أعدائه.
- ينعكس التسامح على الأجيال القادمة في المجتمع حيث ينمو الأطفال في بيئة صحية وسليمة، مما يجعلهم مبدعين قادرين على تطوير وتحسين المجتمع في المستقبل.
مثال على دور التسامح في بناء المجتمعات ورقيها
ومن الأمثلة الحديثة على دور التسامح في بناء المجتمع، ما حدث في روندا في بداية التسعينيات من القرن العشرين،حيث بنى الاستعمار جذور الكراهية بين قبيلتي الهوتو والتوتسي اللذان يكونان المجتمع الروندي.
وقد صنفت القوى الاستعمارية أفراد القبيلتين كأجناس مختلفة، وزرعت التمييز بين أقلية التوتسي، وانتشر الكره في المجتمع، وفي عام 1994م، استغل بعض الأشخاص من قبيلة الهوتو حادثة إسقاط طائرة رئيس البلاد الذي كان ينتمي لقبيلة الهوتو، وبدأوا هجوم على أعضاء قبيلة التوتسي وكانوا يقتحمون منازلهم ويقتلونهم، وقد قتل حوالي مليون و800 ألف إنسان من قبيلة الهوتو في أكبر حادة من حوادث الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث.
وبسبب تلك الأحداث تحولت رواندا لدولة فاشلة، وهرب معظم من تبقى من سكانها، وظلت رواندا دولة فاشلة بدون أي مرافق وانتشرت فيها المجاعات إلا أن جاء فصيل من الهوتو كان يعيش بالخارج، وقاموا بإجراء مصالحة بين أفراد المجتمع، مع محاكمة من ارتكبوا المجازر، وأعلن أفراد قبيلة لتوتسو أنهم قد سامحوا أفراد الهوتو، وبعدها عاش أفراد الهوتو والتوتسي جنبًا إلى جنب في سلام.
وبسبب المصالحة التي حدثت تغيرت رواندا تمامًا، حيث أعيد بناء مرافقها مرة أخرى وأصبحت تمتلك اقتصاد قوي حتى أنها أصبحت أوى الدول الأفريقية جذبًا للاستثمار، وكل ذلك لم يكن يتم بون تسامح أفراد المجتمع.
وهكذا يتضح من تجارب المجتمعات أن التسامح هو الأساس الذي يبنى عليه أي مجتمع ناجح.