عكرمة الفياض

سنتناول اليوم قصة عكرمة الفياض ، التي تمثل شخصيته محور تساؤلات ، واستفسارات الكثيرين ، فمن هو ؟ وما قصته ؟ وما أبرز مراحل حياته ؟ كل هذا وأكثر سنتناوله في السطور القادمة ، فتابعونا .
نسب عكرمة الفياض
هو الفياض جابر بن عثرات الكرام الربعي ، كان الربعي واليًا على الجزيرة ، كما أنه لقب بالفياض ، نظرًا لكرمه ، وشدة جوده ، تعالوا نتعرف على قصته بالتفصيل من خلال السطور القادمة .
قصة عكرمة الفياض
تدور أحداث هذه القصة بين عكرمة وخزيمة بن بشر ، ويعد خزيمة من الرجال الذين عاصروا سليمان بن عبدالملك ، وعاش في زمانه ، وقد عرف بالكرم والمرؤة ، واشتهر عنه أن لم يكن يرد أي سائل أبدًا ، ولا أي محتاج للقوت ، أو المال ، ولكن تجدر الإشارة إلى أنه قد تعرض في آخر أيامه إلى حالة من الضيق الشديد ، ووصل به الحال إلى فقدان ماله ، حيث كثرت ديونه ، وتثاقلت عليه ، فعندما علم إخوانه ما صار له ، قاموا بمواساته فترة من الوقت ، ثم بعد ذلك تركوه ، ولم يهتموا بأمره ، مما أدى إلى سوء حالته ، وشعوره بالضيق ، والحزن الشديد .
فعلم عنه أنه قد أخبر زوجته بأن لا استطاعة له على أن يحيا بقية عمره على شفقة الناس ، ونظراتهم الاستعطافية ممن حوله ، وقرر أن يغلق بابه على نفسه ، ولا يسمح لأحد بالحديث معه ، وفي هذا الوقت كان الربعي يعمل واليًا على الجزيرة ، وبينما كان في مجلسه في يوم من الأيام ، إذا بسيرة خزيمة بن بشر تتردد في المجلس ، فسأل الناس عن أخباره ، فحدثوه عما حل بابن بشر ، وما وصلت إليه حالته ، فلما علم عكرمة أمر لبشر على الفور بـ 4000 دينار .
واشترط أن يوضع هذا المبلغ في صرة واحدة ، ولما حل الليل ، قام بإخراج دابته ، دون أن يعلم أحد ، واتجه بدابته إلى دار ابن بشر ، وقام بدق الباب عليه ، فخرج له ، فناوله عكرمة الصرة ، وقائلًا له : ” أصلح به شأنك ” ، فرد عليه خزيمة : ” من أنت جعلت فداك ؟ ” فرد عليه عكرمة قائلًا : ” لو كنت أريدك أن تعرفني ، لما جئتك في هذا الوقت ” ، فرد ابن بشر قائلًا : ” لن أقبل به حتى تخبرني ” ، فرد عليه عكرمة قائلًا : ” أنا جابر عثرات الكرام ” ، ثم انطلق عائدًا .
وعندما عاد عكرمة إلى بيته في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل ، ظنت زوجته أنه يخونها ، فصاحت ، ولطمت خدها ، وعنفته قائلة : ” أغدرت بي يا عكرمة ؟ ” فرد عليها قائلًا : ” أتكتمي علي سري ؟ ” ، فقالت له : ” أفعل “، فحكى لها أمره ، وما فعله مع خزيمة ، فهدأت ، واطمأن قلبها ، وقد وعدته أنها لن تخبر أحدًا قط بذلك ، وبينما كان ابن بشر يعد الدنانير التي أخذها مع زوجته ، شعر بسعادة عارمة ، فهناك من تحرك بالفعل لمساعدته ، وقام على الفور وهم بالذهاب إلى خليفة البلاد سليمان بن عبد الملك ، ولما صار بين يديه قال له متعجبًا : ” ما أخرك عنا ؟ ” ، فرد عليه خزيمة ، وحكى له ما صار معه ، والنقود التي حصل عليها ، فقال له الخليفة : ” هل تعرفه ؟ ” ، فرد خزيمة : ” لا يا مولاي ، كان متنكرًا ، وما سمعت منه إلا أنه جابر عثرات الكرام ” .
فتعجب الخليفة لأمره ، وتلهف ليعرف من هو ذلك الشخص ، ثم أمر الخليفة لخزيمة أن يكون واليًا على الجزيرة ، وهو عمل عكرمة ، ولما وصل نزل في ضيافة دار الإمارة ، وقد أمر بحساب عكرمة ، فوجد أن عليه الكثير من الديون ، فطالبه خزيمة بردها ، ولكن كان عكرمة لا يملك من المال ما يسدد ديونه ، فما من خزيمة إلا أن أمر بحبسه ، وقد امتد حبسه إلى شهر ، مما أحزن زوجته كثيرًا ، مما اضطرها إلى أن تطلب من إحدى الجاريات الذهاب إلى الوالي خزيمة ، وأن تنفرد به ، وتقول له : ” هل هذا جزاء جابر عثرات الكرام ؟ ” ، وعندما ذهبت الجارية ، وفعلت ذلك ، ذهب على الفور إلى مكان حبس عكرمة ، وقد وجده حاله بائسًا ، ووجده هزيلًا ، وقد أصابه الضعف ، فقبل رأسه على الفور ، قائلًا : ” كريم فعالك ، وسوء مكافأتي ، فرد عليه : ” غفر الله لنا ولك ” ، وخرج الاثنان معًا ، حتى وصلا إلى بيت عكرمة ، وقام خزيمة بالاعتذار من زوجته ، وقد ذهبا إلى الخليفة ، فلما علم بأنه هو ، أمر بسداد ديونه .